36.5 C
تونس
15 أغسطس، 2025
وطنية

بات في مرمى الانتقادات: هكذا خسر الاتحاه قوته

تشير ردود الأفعال التي تلت اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل، والتي سعى خلالها إلى عرض تظلمه، إلى أن الانتقادات غلبت على موجات التعاطف، وهو ما يطرح تساؤلا حول الكيفية التي فقدت بها المنظمة الشغيلة أحد أهم عناصر قوتها المتمثلة في الدعم الشعبي.

و لئن حاول النقابيون تقديم الانطباع بأنهم ليسوا فوق النقد أو المحاسبة و سعوا الى قرارات وسطى بين التصعيد و التهدئة فإن موجة الانتقادات التي طالتهم لم تهدأ، بل تعمقت خاصة ازاء بعض الشعارات التي تم رفعها، و رأى فيها البعض اساءة وسقوطا أخلاقيا.

انشقاقات وتصدعات

وتعود جذور هذه الأزمة في جانب منها إلى تراكمات السنوات الماضية، حيث دخل الاتحاد في الاشهر الماضية في صراعات سياسية متشابكة جعلته يبتعد تدريجيا عن صورته كمنظمة نقابية جامعة تدافع عن مصالح الشغالين، وانخرطت قياداته في معارك ذات بعد سياسي مباشر، ما أضعف موقعه كقوة ضغط اجتماعي محايدة، وأفقده جزءا من ثقة فئات واسعة كانت ترى فيه صمام أمان أمام تغول السلطة أو انحرافها.

وتسببت المواقف المعلنة لبعض قيادات الاتحاد و الانشقاقات التي عرفها و التي تزايدت منذ تعديل الفصل 20 في خلق انطباع بأن المنظمة لم تعد تفصل بين دورها النقابي والدور السياسي، خاصة عندما اتخذت مواقف بدت أقرب إلى دعم أطراف سياسية بعينها أو التصدي لأخرى. و بدأ جزء من الرأي العام ينظر إلى الاتحاد باعتباره فاعلا سياسيا أكثر منه منظمة تدافع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وأدى الانخراط في هذا المسار إلى إضعاف قدرة الاتحاد على حشد الشارع خلفه كما كان يفعل في السابق، إذ لم تعد الدعوات إلى الإضراب أو التحركات تحظى بنفس الزخم الشعبي.

حالة وهن

وبرزت خلال بعض التحركات الأخيرة ملامح تراجع المشاركة الشعبية مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سنوات، عندما كان مجرد إعلان الاتحاد عن موقف أو دعوة كفيلا بشل قطاعات بأكملها وفرض التفاوض مع الحكومة بشروطه.

وساهمت القضايا الداخلية في الاتحاد في تعميق هذا التراجع، فقد برزت خلافات علنية بين قياداته الجهوية والمركزية، وتبادل اتهامات حول إدارة الملفات الكبرى، ما أضعف صورته كتنظيم منسجم وموحد، وعندما يرى الشارع مؤسسة تدعو إلى الوحدة العمالية وهي تعاني انقسامات داخلية، فإن مصداقيتها تتأثر.

وأثرت الأوضاع الاقتصادية الصعبة على علاقة الاتحاد بقاعدته التقليدية، إذ ارتفعت نسبة البطالة وتدهورت القدرة الشرائية، فيما لم تتمكن المنظمة من تحقيق مكاسب كبرى توقف هذا التدهور. وفي نظر الكثيرين لم يعد الاتحاد قادرا على حماية الشغالين من تداعيات الأزمة، بل إن بعض اتفاقياته مع الحكومات السابقة اعتبرت تنازلات ساهمت في تفاقم الأوضاع.

و اصبح عموم المواطنين في حالة ترقب لما يمكن ان تنجزه الوظيفة التنفيذية في الملف الاجتماعي و تحولت الى مخاطبهم المباشر دون وساطة الاتحاد، ناهيك ان قوانين لافتة على غرار تنظيم العقود و منع المناولة تم اقرارها دون الرجوع الى اتحاد الشغل او مشاركته.

الاضرابات العشوائية

كما تسببت  العديد من التحركات النقابية منذ الثورة  في إرباك قطاعات حيوية وخدمات أساسية للمواطنين، وهو ما ولد انطباعا لدى جزء من الرأي العام بأن الاتحاد يستعمل قوته لتعطيل المرافق أكثر من استعمالها لتحسين أوضاع العاملين فيها. وتغذت هذه الصورة السلبية عبر خطاب كثيف يتمركز في وسائل التواصل الاجتماعي استثمر في أي تحرك نقابي مثير للجدل لإبراز الجانب المعيق فيه دون الإشارة إلى أسبابه ومطالبه.

وأدى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير معادلة العلاقة بين الاتحاد والرأي العام، فقد أصبح أي تصريح أو صورة أو شعار في أي تحرك ينتشر بسرعة ويتعرض للتعليق والنقد،  وفي حالات كثيرة وجد الاتحاد نفسه أمام موجات انتقاد واسعة بسبب تفاصيل صغيرة.

تحولات جذرية

وشهدت السنوات الأخيرة تحولات عميقة في مواقف جزء من القاعدة النقابية نفسها، إذ لم يعد الانتماء للاتحاد يعني تلقائيا تبني كل مواقفه، بل صار بعض النقابيين يعبرون علنا عن رفضهم لخيارات القيادة أو عن تحفظهم على تحالفاتها.

ويضاف إلى ذلك أن الجيل الجديد من العمال والموظفين لا يرى الاتحاد بالضرورة بنفس العين التي رأته بها الأجيال السابقة التي عاشت فترة الزعيم حشاد أو محطات الإضرابات الكبرى في الثمانينات والتسعينات، حيث يبحث الكثير منهم عن أطر نقابية أو جمعياتية بديلة يرون أنها أقرب إلى مشاغلهم، خصوصا في قطاعات التكنولوجيا والخدمات الحديثة.

وأدت طريقة إدارة الاتحاد لعلاقته مع السلطة في الفترات الأخيرة إلى فقدان جزء من التعاطف الشعبي، ذلك ان التوازنات السياسية انقلب رأس على عقب، في ظل مناخ يستقر فيه الانطباع السائد بالسخط على التنظيمات السياسية و المدنية التي اثثت المشهد العام في السنوات الماضية و الذي كان الاتحاد لاعبا رئيسيا من بينها.

ولم تساعد الأزمات الداخلية التي طالت بعض هياكله الجهوية والقطاعية في تحسين صورته، فقد برزت في السنوات الأخيرة اتهامات بالفساد وسوء التصرف داخل بعض النقابات الأساسية، وأدى غياب معالجة صارمة وشفافة لهذه القضايا إلى تعزيز الانطباع بوجود ازدواجية في المعايير.

ومع كل هذه العوامل فقد الاتحاد تدريجيا صورته كأقوى قوة في البلاد، وهي الصفة التي لازمته طويلا بفضل قدرته على تحريك الشارع وفرض التفاوض على الحكومات المتعاقبة. وقد لا يعني هذا التراجع أن الاتحاد فقد كل نفوذه أو تأثيره، لكنه أصبح يواجه صعوبة في استعادة ذلك الإجماع الشعبي الواسع الذي كان يحيط بتحركاته في الماضي.

ويجد الاتحاد نفسه اليوم أمام تحدي إعادة بناء جسور الثقة مع الرأي العام. ويتطلب جهود و تضحيات كبيرة لاستعادة الدور التاريخي للمنظمة قبل خسارتها.

Related posts

عاجل: إصابة مواطن جراء انفجار لغم أرضي بجبل الشعانبي

Ichrak Ben Hamouda

الطقس هذه الليلة

Moufida Ayari

التليلي المنصري يؤكد جاهزية الهيئة لتنظيم الانتخابات البلدية القادمة

yosra Hattab

Leave a Comment