27 أغسطس، 2025
وطنية

دمج الأطفال ذوي الإعاقة في تونس: نحو تعليم شامل مدعوم بالابتكار الرقمي والمساندة الاجتماعية

شهد المركز الدولي لتكوين المكونين والتجديد البيداغوجي فعاليات ملتقى وطني بعنوان”التحديات والآفاق”، خصص لموضوع الدمج المدرسي للأطفال ذوي الإعاقة، بحضور ممثلين عن وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والصحة والتكوين المهني والتشغيل، إضافة إلى خبراء ومهتمين بالمجال. ويأتي هذا الملتقى في إطار نقاش وطني حول تشخيص واقع الدمج المدرسي، واستعراض التحديات، ووضع تصور مشترك لمدرسة المستقبل تقوم على البناء التشاركي وضمان الحق في التعليم للجميع دون تمييز.

على هامش الملتقى، قدّم ثامر التوكابري، المدير بالإدارة العامة للنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة بوزارة الشؤون الاجتماعية، جملة من المعطيات حول جهود الوزارة في دعم الأطفال ذوي الإعاقة، موضحًا أن دور الوزارة يبدأ من منح بطاقات الإعاقة التي تسهّل نفاذهم إلى الخدمات الاجتماعية والتربوية، وصولًا إلى توفير فرص التشغيل لاحقًا، وذلك في إطار مقاربة حقوقية تؤكد حق الطفل في التعليم العادي.

وأشار التوكابري إلى وجود لجنة جهوية مختصة بتجديد إسناد هذه البطاقة، تضم ممثلين عن عدة هياكل، وتتمتع بصلاحية دعوة الأشخاص ذوي الإعاقة مباشرة في حالات استثنائية لدراسة أوضاعهم الصحية والاجتماعية.

دمج مدرسي مدعوم بآلات ميسّرة

شدد التوكابري على أن توفير الخدمات لهذه الفئة مسؤولية وطنية مشتركة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، مبيّنًا أن دور اللجنة الجهوية لا يقتصر على النظر في ملفات بطاقة الإعاقة، بل يمتد إلى دراسة إمكانية دمج الطفل في المسار التعليمي، مع مراعاة الاختلاف بين الحالات. ففي بعض الأحيان، تقرر بعض الجهات المختصة تأجيل الدمج إذا كانت وضعية الطفل الصحية أو النفسية تتطلب ذلك.

كما أوضح أن بعض الأشخاص ذوي الإعاقة العضوية أو الجسدية، والذين تُوفر لهم آلات تيسيرية متطورة، قد يتم سحب بطاقاتهم إذا أصبحوا قادرين على ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي.

وبيّن أن اللجنة تدرس أيضًا إمكانية دعم الدمج المدرسي عبر منح تجهيزات ميسّرة مجانًا، وهي لا تقتصر على الكراسي المتحركة فقط، بل تشمل عدة آلات وأدوات أخرى تمكّن الطفل من الاستقلالية وتحسين فرص دمجه في المدرسة. كما كشف عن زيادة جزئية في المساعدات المالية للأطفال ذوي الإعاقة المنتمين للعائلات الفقيرة ومحدودة الدخل.

دراسة جديدة لمراجعة المنح

أعلن التوكابري أن وزارة الشؤون الاجتماعية بصدد إنجاز دراسة، بالتعاون مع منظمة اليونيسيف ، حول كلفة الطفل ذي الإعاقة، بهدف تقييم مدى ملاءمة البرامج الحالية لحاجياته. ومن المنتظر أن تؤدي نتائج هذه الدراسة إلى تعديل المساعدات الموجهة للأطفال ذوي الإعاقة ضمن برنامج الأمان الاجتماعي، إضافة إلى الأطفال الآخرين المنتفعين بنفس البرنامج.

وأكد أن ارتفاع كلفة الخدمات الموجهة للأطفال ذوي الإعاقة، خاصة في التعليم والرعاية الصحية، يدفع بعض العائلات إلى إعطاء أولوية لدمج الذكور أكثر من الإناث، بينما تظل بعض العائلات في المناطق الداخلية تحاول إخفاء الفتيات ذوات الإعاقة عن المجتمع. وأوضح أن الوزارة تعمل على تغيير هذه العقليات من خلال برامج توعية تستهدف الأسر والمجتمع.

حافلات سنوية لدعم التنقل

وفي سياق متصل، أوضح التوكابري أن الأطفال الذين يتأخر إدماجهم في المدارس العادية يتمتعون بتعليم خصوصي داخل مراكز التربية الموحدة، التي تخضع لإشراف وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والتكوين المهني والصحة، بهدف تمكينهم من حد أدنى من التعليم، وتسهيل انتقالهم لاحقًا إلى المدارس العمومية.

وأضاف أن الوزارة تعمل ضمن برنامج سنوي على إسناد 20 حافلة للجمعيات الناشطة في مجال الإعاقة، لتأمين نقل التلاميذ من وإلى مراكز التربية المختصة، تمامًا كما يتم مع تلاميذ المدارس العادية.

التحول الرقمي في خدمة ذوي الإعاقة

وفي خطوة نحو تسهيل الخدمات، أعلن التوكابري عن قرب إطلاق بطاقة إعاقة رقمية تحمل رمز الاستجابة السريع (Qcode)، تحتوي على جميع البيانات والخدمات المخصصة لصاحبها، ما يختصر على العائلات عناء التنقل، خاصة في المناطق الريفية والداخلية.

كما أكد أن رقمنة الخدمات تعتبر جزءًا من برنامج حكومي أوسع يهدف إلى تبسيط الإجراءات وتسريعها، مع الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تصميم ترتيبات تيسيرية للأطفال ذوي الإعاقة، مما يساعد على تجاوز عدة عقبات بكلفة أقل.

توجه وطني نحو مدرسة دامجة

المداخلات في الملتقى شددت على أن المدرسة التونسية المستقبلية يجب أن تقوم على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، وأن يتم دمج الأطفال ذوي الإعاقة في الصفوف الدراسية مع أقرانهم، مع توفير كل الوسائل المساعدة لضمان جودة التعليم. ورغم التقدم الملحوظ في السنوات الأخيرة على مستوى التشريعات، مثل الفصل 54 من الدستور الذي ينص على دعم الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع المجالات، فإن التحديات مازالت قائمة، خاصة فيما يتعلق بتوفير الإمكانيات المالية والبشرية، وتحسين الوعي المجتمعي، وضمان استدامة البرامج والمشاريع.

ويأمل المشاركون في أن تساهم نتائج هذا الملتقى في صياغة خارطة طريق وطنية تعزز الدمج المدرسي، وتحمي حقوق هذه الفئة، وتضمن لها مستقبلًا أفضل، بعيدًا عن الإقصاء أو التهميش.

Related posts

وفاة رجل في انقلاب سيارة تاكسي في العاصمة

Na Da

إمضاء اتفاقية بين وزارة الفلاحة والبنك التّونسي للتّضامن حول إحداث برنامج خصوصي جديد لتمويل موسم الحبوب 2024-2025

Moufida Ayari

تعديل أسعار المحروقات سيكون شهريا..وزيرة الطاقةتوضح

root

Leave a Comment